فصل: تفسير الآية رقم (126):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (126):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
ان كل ما في السموات والأر ملك له، وهي من خلْقه مهما اختلفت صفات أفرادها. انها مملوكة له خاضعة لأمره، وهو مهيمن على كل شيء، يعلم علم إحاطةٍ بكل ما يعمل الانسان، ويجازيه بمقتضاه.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
يستفتونك: يطلبون منك بيان الحقيقة. يفتيكم: يبين لكم ما أشكلَ عليكم. المستضعفين: الضعفاء من اليتامى والولدان.
إنهم يطلبون منك يا محمد بيان ما غمُض من أحكام النساء، والمراد بهن هنا اليتيمات. كان من عادة العرب في الجاهلية إذا كانت عند أحدهم بنت يتيمة صار وليها ووارثها، ورغب في تزوّجها ليأخذ مالَها. وقد تكون غير جميلة ولها مال ولا يتزوجها ولا يزوجها من أحد.. خشية ان يُحرم من مالها؟ فجاءت الآية هنا تدعو إلى ترك عادات الجاهلية. فالرجل الذي عنده يتيمة يريد ان يتزوجها يجب عليه ان يدفع لها مهراً كالمرأة الغريبة عنه. واذا لم يرغب في زواجها فليتركها تتزوج من غيره. كما بيّنت الآية أنه يجب توريث الضعفاء من الأولاد الصغار والنساء واعطاؤهم حقوقهم كاملة. ثم رغَّب الله تعالى المؤمنين في العمل بما فيه فائدة لليتامى، وذكّرهم انه عالِمٌ لا يعزب عن علمه شيء، وهو مجازيهم بما يعملون.
والخلاصة: إن الذي يتلى عليهم في الضعيفَين، المرأة واليتيم، هو ما تقدّمَ في أول السورة، لذلك يذكّرهم الله بتلك الآيات المفصّلة ليتدبّروها ثم يعملوا بها. وهو بذلك كله يريد استئصال عادات الجاهلية والممقوتة، ويضع عوضاً منها تقاليد انسانية راقية يبني عليها المجتمع الاسلامي العظيم.

.تفسير الآية رقم (128):

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
نشوزاً: تجافيا وترفّعاً وإعراضا. وأحضِرت الأنفس الشُّح: جُبلت النفوس على البخل، والشحُّ أشدّ البخل.
إن خافت الزوجة من زوجها إهمالاً لشئون الأسرة وجفاءً لها وعدم اقبال عليها، كأن يقلّل من محادثتها أو غير ذلك فيجب عليها ان تتريَّث. فلعلّه يكون مشغولا، أو يواجه بعض المشاكل في عمله. ومن الأفضل لها أن تصارحه وتسعى في المصالحة معه، ولابد لأحد الطرفين ان يتنازل قليلا عن بعض حقوقه. والصلحُ خير من الفِراق، ورابطة الزوجية من أعظم الروابط وأحقها بالحفظ. ولما كان الرجل هو الأقوى فإن عليه ان يعاشر زوجته بالمعروف وان يتحرى العدل معها قدر المستطاع.
{وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح}
ان النفوس عرضة للبخل، فينبغي ان يكون التسامح بينهما كاملا، لأنهما قد ارتبطا بميثاق الزوجية العظيم. ثم رغب الله تعالى في بقاء الرابطةِ الزوجية جهد المستطاع فقال: {وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}، ليعني: إن تحسنوا العشرة فيما بينكم ايها الأزواج وتتقوا أسباب النشوز والإعراض فان الله سوف يجازي من أحسن منكم ويثيبه على ذلك.

.تفسير الآيات (129- 130):

{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}
فتذروها: فتتركوها. المعلّقة: التي ليست مطلَّقة ولا ذات بعل. من سعته: من غناه.
مهما حرصتم على العدل والمساواة بين الزوجات، حتى لا يقع ميل إلى احداهن، فلن تستطيعوا ذلك. وحتى لو قدرتم عليه لما قدرتم على إرضائهن به. فالعدل الكامل هاهنا في حكم المستحيل. اذ لابد ان يميمل الزوج بقلبه إلى واحدة أكثر من الأخرى.. من ثَم رفع الله عنكم ذلك، وما كلّفك الا العدلَ فيما تستطيعون بشرط ان تبذلوا فيه وسعكم، لان الميل القلبي لا يملكه المرء.
وقد كان رسول الله يقسم بين نسائه فيعدل: ثم يقول: «اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تُلمْني فيما تملك ولا أملك»، يعني القلب.
{فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل}
اذا كان العدل الكامل غير مستطاع فعليكم ألا تميلوا كل الميل إلى من تحبون منهن وتعرضوا عن الأخرة، فتتركونها كأنها ليست زوجة، ولا مطلّقة. وعليكم ان تصلحوا في معالمة النساء وتتقوا ظلمهنن ولا تفضّلوا بعضهن على بعض فيما يدخل في اختياركم كالقسم والنفقة، والله يغفر لكم ما لا يدخل في اختياركم كالحبّ وزيادة الإقبال.
ثم يبين الله تعالى ان الفراق قد يكون فيه الخير ان لم يكن هناك وفاق.
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ}
اذا لم يُمكن الإصلاح واستحكمتِ النفرة، فان التفريق أفضلُ إذ ذاك. والله تعالى يعني كليهما من سعة رحمته وفضله. الأرزاق بيده، وهو واسع الرحمة، وحكيم فيما شرع من الأحكام.

.تفسير الآيات (131- 133):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}
بعد أن أمر سبحانه بالعدل في شؤون المرأة والإحسان لليتامى والضعفاء والمساكين بيّن هنا أنه قد أمرنا بكل ذلك، لا لأنه يستفيد منه أو أنه بحاجة إلى اعمال العباد، فهو مستغن عن جميع المخلوقات، وإنما أمرَنا بالعدل حتى نزداد إيماناً وعملاً صالحا. لذلك ترى انه كرر كونه مالك السماوات والأرض ومَن فيهن ثلاث مرات ليعلموا ذلك علم اليقين.
إن لبّ الدين هو الخضوع لخالق هذا الكون، والاعتراف بسلطانه المطلق على كل ما في السماوات والأرض أبرزَ وصيّته لكل من أنزل عليهم كتاباً من عنده فقال ما معناه: وصّينا أهل الديانات السماوية ووصيانكم أنتم يا معشر المسلمين أن تخافوه وتعبدوه.
{وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض}
لا يخلّ بسلطانه شيء. وهو غنيّ عنكم.. ومع ذلك، فإنه يحمد لكم إيمانكم. ثم كرر ذلك {وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض...} فهو المسيطر والمدبّر، وكفى ان يكون هو المتولّي أمرَ هذا الكون العظيم لينتظم، والناس كي يعبدوه ويفوضوا أمورهم اليه.
ثم بيّن لمن يكفرون مآل شأنهم في ملك الله، وذكَر قدرته على الذهاب بهم والمجيء بغيرهم فقال: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً} أي أنه قادر على إفنائكم من الوجود، وايجاد قوم آخرين من البشر وهو اذ يوصيهم بتقواه لا يضره شيء إذا لم يسمعوا الوصية ان ذلك لن يُنقص من ملكه شيئاً، وانما يوصيهم بالتقوى لصلاح حالهم.
وبقدر ما يؤكد الإسلام كرامة الإنسان على الله وتفضيله على كل ما في الكون يقرّر هَوانَهُ على الله حين يكفر ويتجبّر، ويدّعي خصائص الألوهية.

.تفسير الآية رقم (134):

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
يختم الله هذه الآيات بتوجيه القلوب الطامعة في الدنيا وحدها إلى أنّ فضل الله أوسع، فعنده ثواب الدارين معا. فعليكم ان تطلبوها معا، لا ان تقصُروا طلبكم على الأدنى وتتركوا الاعلى والأبقى. ان الجمع بينهما هيّن ميسور، والله سميع لأقوال عباده بصير بجميع أمورهم.
وهكذا نجد ان الدين الاسلامي تكفّل بسعادة الحياة في الدارين، وقد حقّقها للمسلمين في صدر الاسلام. ولو استقام المسلمون على سنّة كتابهم لا ستردوا مكانتهم التي بهرت العالم قروناً طويلة.

.تفسير الآيات (135- 136):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)}
القسط: العدل. قوامين بالقسط: عاملين على اقامة العدل. فلا تتّبعوا الهوى أن تعدِلوا: فلا تتبعوا الهوى كراهة ان تعدلوا. وان تلووا: وان تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق بأن تحاولوا كتمانها. أو تعرضوا: تمتنعوا.
بعد أن حثّ الشارع على العدل والمساواة في النساء واليتامى والضعفاء، عمّم الأمر هنا بالعدل بين الناس جميعا. والعدل أحد مبادئ الإسلام الهامة، فهو نظام الوجود، والقانون الذي لا يختلف النظر فيه.
يا أيها المؤمنون.. كونوا مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته. أدّوا شهاداتهم لوجه الله ولو على أنفسكم أو والديكم أو اقاربكم. وان كان المشهود عليه غنياً أو فقيرا فلا تمتنعوا عن أداء الشهادة احتراماً لغناه، ولا رحمةً به لفقره. ان الله أَولى بالنظر إلى حال الغني والفقير منكم، فلا تتبعوا أهواءكم كراهةَ ان تعدِلوا. وإن تلووا ألسنتكم لإخفاء معالم الحق أو تمتنعوا عن الشهادة فإن الله يعلم ذلك، وسوف يجازيكم عليه بالحق.
يا أيها المؤمنون، آمِنوا بالله، ورسوله محمد، والقرآن الذي أوحاه إليه، وبما أنزله على من جاؤا قبل محمد من المرسلين. إن من يكفر بالله وملائكته وكتبه جميعاً ورسُله ويوم البعث قد ضلّ عن الغاية التي يجب ان يبلغها الإنسان من الكمال.

.قراءات:

قرأ نافع وابن كثير وأبو بكر وأبو عمرو وعاصم والكسائي {وان تلووا} كما هو هنا في المصحف، وقرأ حمزة وابن عارم {وان تلوا} يعني وان وَليتم اقامة الشهادة. وقرأ نافع والكوفيون: الذي نزَلَ، الذي نزَلَ، والذي أنزلَ، بفتح النون والهمزة، والباقون {نُزل} و{أنُنزل} بضم النون والهمزة.

.تفسير الآيات (137- 139):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)}
ان الذين آمنوا من اليهود بموسى، ثم كفروا حين غاب فعبدوا العِجل، ثم آمنوا بعد أن عاد اليهم، ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفراً بمحمد لن يغفر الله لهم ما يفعلونه من شر، ولن يهديهم إلى الحق. ذلك لأن أرواحهم قد دنست وقلوبهم قد عميت فلم يتوبوا، ولأن غفران الله يقتضي توبة واقلاعاً عن الشر، وهدايته تكون لمن يتجهون إلى الحق ويطلبونه، لا للمتردّدين المضطرين في معتقدهم.
وبشِّر أيها النبيّ المنافقين (والبشارة هنا سخرية منهم) بأن الله قد أعدّ لهم عذاباً مؤلماً يوم القيامة. ذلك لأنهم يتخذون الكافرين أصدقاء ونصراء من دون المؤمنين، اعتقادا منهم ان الغلبة ستكون من نصيبهم. والصحيح ان العزة لله وحده، يؤتيها من يشاء، ومن اعتز بغير الله ذل.

.تفسير الآيات (140- 141):

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}
يتربصون بكم: ينتظرون وقوع أمرٍ بكم. ألم نستحوذ عليكم: الاستحواذ هو الاستيلا ء.
لقد أوصاكم الله في القرآن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها الكافرون أو يستهزؤون ألا تجلسوا معهم. اهجروهم إلى أن يخوضوا في حديث آخر، فإن ظللتم معهم وهم على تلك الحالة كنتم اذنْ مثلهم في الكفر. وهذا تهديد لكل من يسمع تنقّصاً في الدين أو القرآن ولا يستطيع تغييره ثم لا يترك المجلس. ان الله جامعٌ المنافقينَ والكافرين وكلَّ من يقعد معهم في جهنم جميعاً.
اولئك المنافقون ينتظرون ما يحدث لكم من خير أو شر، فإن نصَركم الله قالوا: الم نكن معكم باعتبارنا من جماعتكم؟ وان كان للكافرين الظفرُ عليكم منُّوا عليهم وقالوا لهم: ألم نمنحكم مودتنا ونمنعكم من المؤمنين؟ فاعرفوا لنا هذا الفضل وهاتوا نصيبنا مما اصبتم.
والله تعالى يحكم بينكم وبين هؤلاء المنافقين يوم القيامة، ولن يجعل للكافرين سبيلاً للغلب على المؤمنين ما دام هؤلاء متمسكين بدينهم متبعين لأوامره ونواهيه.

.تفسير الآيات (142- 143):

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)}
يخادعون الله: يحاولون خداعه. كُسالى: جمع كسلان. يراؤون الناس: يعملون من أجل أن يرام الناس هم لا يؤمنون. مذبذبين: مترددين لا يستقرون على حال.
ان المنافقين يحسبون انهم يخدعون الله ويخفون عنه حقيقة أمرهم، وهو يكشف خداعهم لا محالة، فيُمهلهم يرتعون في شرهم، ثم يحاسبهم على ما يفعلون. واذا قام هؤلاء المنافقون إلى الصلاة قاموا متثاقلين بدون رغبة ولا ايمان. إنهم يخشون الناس فيوهمونهم انهم مؤمنون، كما يعملون الاعمال الطيبة لمجرد الرياء، حتى يراهم المؤمنون ويظنوهم منهم. وهم لا يذكرون الله الا نادرا، ويظلّون مذبذبين تارة مع المؤمنين وتارة مع الكافرين، لأنهم طلاب منافع، ومن قضت سُنته تعالى ان يكون ضالاً عن الحق، فلن تجد له سبيلا للهداية.